السبت، 14 يوليو 2012

عراقية ألف ليلة وليلة

الف ليلة وليلة ...
هو كتاب حكايات مجزئة على كل ليلة أو سهرة ، تدور أحداث هذا الكتاب حول ملك ساساني يعرف بـ(( شهريار )) ، كان إذا تزوج من امرأة تخلص منها في اليوم الثاني ، إلا أن تزوج ابنته الوزير وكانت تعرف بـ(( شهرزاد )) ، فقد استطاعت هذه الفتاة بفطنتها وذكاءها التخلص من بطشه ، فراحت تحكي الحكايات وفي كل ليلة حتى بلغت الألف ليلة وليلة ، وولدت خلالها لهذا الملك ولدا فابقاءها ولم يقتلها .


الكتاب هو عمل أدبيا عراقي ، لكن العرب نسبوه إلى الفرس ، لعدة أسباب : منها تصحيح سيرة الحكام الإسلاميين الغارقين في الجواري والأغاني و... ، فهؤلاء ( أي العرب ) يريدون بذلك الاتهام أن من حرف صورة الحكام الإسلاميين هم الفرس ، وبهذا فان العالم الغربي في نظرته إلى المشرق الإسلامي بصبغة هذا الكتاب وفحواه ، قد حرصت سياسته على تصوير المجتمع
( الإسلامي ) بصورة مشوهة فيها الكثير من التحريف التاريخي (!! ) ، فيكون أساس تشويه صورة المجتمع الإسلامي لدى الغرب هم الفرس هذا من جهة ، أما من جهة ثانية الحقد والحسد اتجاه أبناء العراق وما يتميز به من وفرة إبداعات وكثرة مبدعين و و... وهذا ما فعلوه مع الإمام أبي حنيفة وسيبويه وغيرهم ونسبوهم إلى فارس .

وكانت حجتهم انه ( أي كتاب ألف ليلة وليلة ) يدعى عند الفرس بـ(( هزار افسانه )) أي ألف خرافة – لاحظ الجهل – ، وهذا لا يؤخذ دليلا قاطعا ، فهي لغة والناطق بها سيكون بلسان قومه ، فلو كتب شخصا ما كتابا اسماه ( اليوم الأسود ) ، ماذا يدعيه الانكليز؟ سيكون ( The black day ) ، وهل الصلاة فارسية كونهم يدعونها بـ( نماز ) !!!
كما نلاحظ من خلال الاسم الفارسي ( بهزار افسانه ) أي 1000 خرافة ، في حين الذي بين أيدينا هو ألف ليلة وليلة ( يعني العدد 1001 ) سواء كانت ليلة أو خرافة ، كما إن الكتاب يقع في ( مئتين وأربع وستين حكاية قسمت على ألف ليلة وليلة ) ، فأين الألف خرافة من هذا ؟؟
وان كان فارسيا ما اسم مترجمه أو كاتبه ، كما في كتاب ( كليلة ودمنة ) الهندي الذي ترجمه للعربية ابن المقفع ؟؟ فلا يوجد
لـ( ألف ليلة وليلة أي نص هندي أو فارسي ) .

كما إن الذي ينسبه للفرس لم يكن ذكيا ، لكي يفلح في فعلته هذه ، فالانتساب إلى الفرس سيقلل من عدد لياليه ( 1001 ) ، وسيغير أيضا اسمه بطبيعة الحال ، لان في حكاياته ليالي بغدادية عن هارون الرشيد ، وكذلك البصرة ودمشق والقاهرة ، فان بقي على حكايات الملك الساساني لم تبلغ الخرافات ألف خرافة ، وبالتالي يكون ( هزار افسانه ) هو أكذوبة تقمصها الحاقدين والحاسدين على ارث العراق العظيم .

والغريب في البعض منهم لم ينسبوه للفرس فحسب بل قسموه إلى عدة أقسام إضافة للفارسي هندي وعربي ومصري - لاحظ العراقي محذوف في التقسيم - ، وهذا سيخرجه من الدائرة الفارسية ويذهب ( بهراز افسانه ) في مهب الريح .. والتقسيم جاء من خلال أسماء المدن والشخصيات الموجودة في الكتاب . وهذه الأسماء بعضها خرافية كأسماء الملوك الفارسيين ، في حين والبعض الآخر أسماء واقعية كأسماء المشاهير في الدولة العباسية ، وان كانت الوقائع خرافية ..
أما بالنسبة للقسم المصري فالمصريون يحاولون بشتى الطرق ضم هذا الكتاب إلى مكتبتهم لما وجدوا فيه من أهمية كبيرة ، واعتناء واضح ، ليس في الغرب فحسب بل العالم اجمع ، كما تريد سهير القلماوي بدراستها وتحليلاتها لألف ليلة وليلة أو الدكتور عفيف نايف حاطوم محقق الكتاب أو غيرهم أن يكسوها حلة مصرية!!!

مبنية على حجج ضعيفة ، كحكاية عن الملك بيرس أو ما شابه ، كذلك وردت بعض الكلمات المصرية ، ويحددون زمنها في العصر المملوكي ، كما إن البعض منهم إن لم يجعلها مصرية ، يجعل قسما منها مصري !! وقد جعل إحسان عباس في كتابه (ملامح يونانية في الأدب العربي ) قصة السندباد في رحلاته السبع ليست من ألف ليلة وليلة !! كما انه يريد أن ينسب ألف ليلة وليلة إلى مصر ، وبصورة غير مباشرة ، فهو في كتابه يعرض دراسة الأستاذ غرنباوم عن موطن التشابه بين الحكاية اليونانية وقصص ألف ليلة وليلة ، وان اقر غرنباوم أنه ليست لديه أية شهادة وثائقية تثبت اخذ مادة ألف ليلة أو بعض تلك المادة أخذا مباشرا عن التراث اليوناني (!!) ، فيقول :
إذا سلمنا بإمكان تسرب تلك المؤثرات ( يقصد بها المؤثرات اليونانية ) فلا بد من إن نفترض أن كثيرا من أصول تلك القصص
( ألف ليلة وليلة ) كان أدبا شفويا يتردد في أرجاء حوض البحر المتوسط ( لاحظ )، على نحو أو آخر، دون أن يتوقف على مر الزمن .

لكن مع الأسف الشديد لا نرى من مؤرخينا أو كتابنا أو أدباءنا الاعتناء بهذا الإرث العظيم
، فلم يدافعوا عنه يوم اصدر بحقه المحامون المصريون تهمة خدش بالحياء !!
ولا أريد أن ابخس من مقال الباحث الدكتور ( رشيد الخيون ) حين كتب عن ألف ليلة وليلة في احد أعداد مجلة الأسبوعية ،الا اني اعتبرها مقالة يتيمة ...

ولو نظرنا إلى لغة الكتاب فان العامية البغدادية لعبت فيه دورا لا يستهان به ، إضافة إلى الأعجمية ، ومن هذه الألفاظ لفظة
( البوس ) الشائعة في العصر العباسي التي تقابل كلمة التقبيل . كذلك الكلمات بخت ، تخت ، طربوش ، طرطور وغيرها من الكلمات.
مثلا :
( راح يموت ) ، ( حط يده على خـُرجه ) ، ( أقيم عليه العياط والصراخ ) و
( خلصته ) و ( استعديت ) و ( استمريت ) و ( في ثاني يوم ) و
( فتحت دكانا ) و ( التسبب ) وهي بمعنى طلب الرزق و( تشبكت أسنانه ونشف ريقه وعمي عن طريقه ) و ( اغنيتك للولد الولد ) و ( يحب الفـُرجه ) و ( يلطشها على عينها ) و ( بال في ثيابه ) و
( رشت في ثيابها ) و ( جاء إليه واحد بهديه ) و ( دوخ الوجع راسه ) و ( فرجينا اليوم على طهيك وحسن طبخك ) و ( سوَّى ) و ( سوِّله أنت السمك ) و ( السلطان متشوش ) و
( وشامة على كرسي خده كترس من عنبر ) و ( تسلطن ) و ( سلطن ) أي نصب سلطانا ، و ( جعلت اني اشربه ) و ( اخشى على خاطرك ) و ( ما احد غيرك بقي لي ) و ( اجلس على الراس والعين ) و (ما طول روحه علينا ) و ( تلف عيني ) و ( حن على الريس ) و
( تشتهي الدنيا ) و ( شبعت من الدنيا ) وهناك الكثير..
فهل هناك ما يدل على فارسيته أو هنديته ؟!

وفي الختام أترحم على روح ذلك الهندي جواهر آل نهرو حين وصف بغداد في كتابه
( لمحات من تاريخ العالم ) قائلا :
(( بغداد مدينة ألف ليلة وليلة ))




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق