الأحد، 15 يوليو 2012

بين رامي الاعتصامي والعراقيين !!



الكل رأى كيف فعلت المظاهرات في الفترة الأخيرة ، وكيف غيرت وجوها لطالما حلمت الشعوب بتغييرها ، وهذا ما حدث في شمال أفريقيا ، في تونس ومصر ، كانت جاثمة على صدور أبناء بلدها ، وكأن البلاد لا يصلح لها احد غيرهم .
في مصر لم تكن المظاهرات وليدة لحظة عاطفية ، وفي زمن قصير ، بل كانت ممهدة لها منذ زمن بعيد ، منتظرة ذلك اليوم التي تلد فيه ، وتظهر للحكام ما أبطنت .
ومن أعمدة بناء التغيير السينما المصرية ، حيث تناولت بصورة واقعية مستقبلية مسألة التغيير ، واضعة بصمتها فيه . فقد حاولت جاهدة أن تبني شعبا واعيا يحمل على عاتقة الوطن أولا و آخرا .
لم تتبنَ مسالة التغيير فحسب ، بل تعدت إلى ما بعد التغيير ، وكيف سيواجه الفرد المصري أعاصير سقوط السلطة ، وكيف هي سعت في بناء بيت مصري يضم المصريين بكل انتماءاتهم .
هذا الحس الوطني التي تحلت به السينما المصرية لهي جديرة بالفخر ، فهي عنصر فعال في سقوط النظام الذي شاب عليه الوليد ، وكقول ناشطة مصرية في منظمة ( كفى  ) في ميدان التحرير :
(( أنا كـَيت لدنيا ، والنصام موكـَود ولسه هو موكـَود ...))
لنقف على ما أنتجته السينما المصرية ، وكيف بذرت بذور التغيير في المجتمع المصري .
ومن أعمالها مسرحية الزعيم ، فيلم الدكتاتور ، فيلم حسن ومرقص ، دكان شحاته ، رامي الاعتصامي ، وغيرها من الأعمال السينمائية والمسرحية ..
فمسرحية الزعيم مسرحية كوميدية ، تدورا أحداثها حول حاكم دكتاتوري ظالم ، يطلب من حاشية بعد سماعه بوجود مواطن شبهه ، بتعذيبه وقتله ، وتقع أهوال العذاب على الشبيه والذي يدعى بـ( زينهم ) ، وقبل أن يعدم ( زينهم ) يموت الزعيم فتستفيد الحاشية من وجود هذا الشبيه لأغراض حزبية فئوية وإبرام اتفاقيات مع دول أجنبية ، لكن ( زينهم ) يستغل وجوده ويطيح بهم ، وهذا الفعل من صالح الشعب .
أما ( فيلم الدكتاتور) ، وهي من أفلام ( حسن حسني ) الذي جسد دور الدكتاتور،  فالفيلم يشرح نفسه من عنوانه ، وأحداثه تتحدث عن حاكم منفرد بالسلطة ، مع نجله الماجن ، لكن الشعب لم يتركه يسرح ويمرح ، يحدث انقلاب ويفر هو ونجله ، ويمسك بزمام الأمور الجيش ويلقي على شعب بيانه عن إن السلطة باتت بأيديهم الآن بعد سقوط الدكتاتور .

فيلم ( دكان شحاته ) للممثل عمرو سعد ، تدور أحداثه حول شاب ( شحاته ) من عائلة فقيرة ينال من أبيه هذا الدكان الذي حمل اسمه يوم كان طفلا ، فيضمر له أخويه البغض والحسد ، فيعملان على إيقاعه وزجه في السجن ، وسلبه حقوقه حتى حبيبته ، فيتحول دكان شحاته إلى سفارة إسرائيلية بعد بيعه من قبل إخوته . الفيلم يتطرق إلى الصراع الانتخابي بين مبارك وأيمن نور، وكيف تعمل أحزابهم على تبذير المال من اجل الفوز ، وشعبهم هلك من  القحط و الحاجة .
وأجمل ما يصوره الفيلم  فقدان الإخوة ، وكيف عالجها بالتسامح اللامتناهي من قبل ( شحاته ) لأنهم وان جاروا معه فهم إخوته ، كما حذر الفيلم من ضياع البلد في حالة الهيجان الشعبي ، وانتفاضة الجماهير .
أما فيلم ( حسن ومرقص ) ، للممثلين الكبيرين ، عادل إمام و عمرو الشريف ، فقد تناول الفيلم مسألة هامة في البلد ألا وهي مسألة الطائفية ، فحسن مسلم ومرقص مسيحي ، انتحل كل واحد منهما ديانة الآخر ، لكي يتعايش مع الآخرين ، وشاءت الصدف أن تجمعهما في عمارة واحدة ، ليقع الفتى المسيحي في حب الفتاة المسلمة ، ويتقرب حسن من مرقص ، ويصبحان صديقين ، ويجتمعان و يتسامران على إنهما من دين واحد، لكن يفترقان حين يعلمان إنهما على دين مختلف ، ويبتعد الحبيب عن حبيبته بسبب الطائفية ، ولم يستمر الخلاف طويلا ،  فيشب النار في العمارة التي تؤويهما ، بفعل الصراع الطائفي ، فيسارع ( مرقص ) لإنقاذ عائلة ( حسن ) وتعود الالفة بينهما .
فقد صور لنا الفيلم البلد على انه عمارة ، يضم كثيرا من الشقق وان اختلفوا فيها فهي عمارة واحدة ، فالنار التي تحرق شقة ( حسن ) سيطال ليهبها شقة ( مرقص ) .
ثم ما الإخلاف الذي ينتجه تعدد الأديان ، فنرى إن ( مرقص ) عاش لحظات جميلة في تصور ( حسن ) على دينه ، وكذلك عاشها ( حسن ) هو الآخر.
فحديثنا هو عن الفيلم ( رامي الاعتصام ) ، وهو فيلم كوميدي للمثل احمد عيد ، تدور أحداثه حول شاب ثري يعرف بـ( رامي)  ، يطمح في أن ينال إعجاب ( يارا ) الفتاة التي تسعى وراء الشهرة ، ولهذا ترافق المطرب ( هيثم ) ، الذي يعتبر غريم رامي ، مما دفع بالأخير أن  يحمل كيتارا لكي يعبر لها انه مطرب شهير.
رامي مهمل لعمله مع أبيه رجل الأعمال الشهير ، يقضي وقته مع أصدقائه يتعاطى الحشيش ، لكن في الوقت نفسه يعمل على إنشاء أكروبات على الفيس بوك ، كل واحد منه يختار اسما هو ( عايزه ) ، أما ( رامي ) فراح يلحن بكيتاره ، أثناء عرض مباراة مصر لكرة القدم ، لكن لم يجيد اللحن لأنه لم يكن أبدا ملحن ،  فاختار اسم ( نعم لتغيير النشيد الوطني  ) ، وإذا به يسمع في اليوم الثاني مقدم برنامج في التلفاز ، يذكر اسمه ومشروعه في الفيس بوك وكيف نال إعجاب الأعضاء في الفيس بوك ،اخذ فرصته الوحيدة وحل ضيفا للبرنامج لتشاهده ( يارا ) فهولا يحمل عن النشيد الوطني أي فكرة ، وطالب بالاعتصام إن لم يحققوا مطالبه ، والجدير بالذكر إن هذه اللفظة أخذها من ضيف البرنامج الذي سبقه ، في اليوم الثاني اعتصم الشباب أمام مقر رئاسة الوزراء ، ورامي بات ليلته مع صديقه بعد إن اخذ كمية كافية من الحشيش.
استيقظ على اتصال احد أصدقائه مخبره بالاعتصام ، ذهب وهو غير مقتنع بما جرى راضخا للعبة  الذي هو لاعبها ، راح يهتف وينفق من ماله لكي لا يذهب المعتصمون .
ثم توسع الاعتصام فانضم إليهم ( كاكا ) ، وكاكا شاب بلطكي لم يحظى ببيت ، يحب فتاة تعرف بـ(فوزيه ) هي الأخرى من عائلة فقيرة ، ولم يتم زواجهما إلا بوجود (شئه ) أو ( اوطه ) ، أصر كاكا أن يتزوج فوزية وقد شهر مرارا وتكرارا ( المطوا ) الخاص به ، ولهذا وافق والد فوزيه من زواجهما فحدد كاكا يوم الدخله ، لكنه لم يتهن بيومه هذا ، فقد جرف الجرافات منزلهم ولم يجدوا غير الشارع يفرشوه لهم .

**************
كاكا وأتباعه حصلوا على مأربهم في الاعتصام حيث سرقة الأجهزة النقالة ، وكذلك بيع السندويج والكاز وغيرها من افعال عامة الناس .
ثم انضم للاعتصام الجماعات الإسلامية وهي لم تأتي لتغيير النشيد الوطني بل جاءت لأجل قضية هي مؤمنة بها .

والمضحك في الفيلم إن القيادة العليا حين التقت بكل من كاكا والجماعات الإسلامية ، وطلبوا منهم أن يوضحوا مطالبهم فقد أجابوهم بنفس الجواب الذي أجابه ( رامي ) !!
وأحداث الفيلم كثيرة... انتهى الاعتصام بالتصادم بين المتظاهرين راح ضحيتها جندي ( غلبان ) !!
لكن في النهاية تعلم المعتصمون من هذا درسا كبيرا ، فلا يحدث التغيير إلا بتغيير أنفسهم أولا ...
ومن الملاحظ في تاريخ الإنتاج لكل من مسرحية الزعيم التي انتجت عام 1998 ، حسن ومرقص عام 2008 وهو نفسه العام الذي أنتج فيه فيلم رامي الاعتصامي ،والدكتاتور 2010 .
فالشعب المصري يحمل فكرة التغيير منذ زمن بعيد ، خلافا للعراق
ففي العراق دعاة التغيير لم يمهدوا للتغيير ، وكل ما في الأمر أنهم تأثروا عاطفيا بأحداث مصر ، فنشروا على صفحات الانترنت شعارات التغيير !! واختاروا يوما للتظاهر ومكانا يجتمعون فيه ، مقلدين فيها مصر.
في ليلة واحدة يريد العراقيون التغيير ، أي تغيير هذا ؟
فنحن لم نغيير أنفسنا بعد ، فهل  سعينا قليلا في نشر ثقافة التغيير وما بعد التغيير الذي عمل به المصريون ؟
المصريون سعوا إلى التغيير أكثر من عشرة سنين ، لهذا نضجت أفكارهم على هذا الفعل ، وأحسنوا في أداءه .
في بلادنا لم يحدث ذلك ، نزل العراقيون مطالبين بالتغيير، وهذا حق مشروع ، لكن خلافا للإخوة المصريين ، فهناك فرق بين المطلبين ، مصر تنادي بصوت واحد (( الشعب يريد إسقاط النظام )) ، النظام وعدهم بإصلاحات كثيرة ، لكن الجماهير أبت إلا سقوطه .
في ساحة التحرير ، وتحت نصب الحرية ، أصوات العراقيين متفاوتة ، أصوات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين ، وأخرى تطالب بزيادة رواتب المتقاعدين ، وهناك من يهتف ضد المالكي ، والبعض يطالب بحرية التعبير ووو...
فهذه المرأة التي تحمل صورة ابنها وهي تحت نصب الحرية ، جاءت لكي تطالب بسراحه ، ولو كان ابنها يعيش جنبها لما خرجت ، والذي يطالب بزيادة راتبه التقاعدي هذا مطلب فئوي لا شعبي ، ولا يختلف عنه أصحاب حرية التعبير !!
الشباب في ساحة التحرير هم أشبه بالشباب الذين ساندوا ( رامي ) في اعتصامه ، كذلك الرجال والنساء .
البعض منهم أخذته العاطفة والبعض الآخر دفعته الشهرة ، وآخرون يقلدون ما حدث في مصر ، وهناك ضحية جهات مغرضة !
( كاكا والشيخ أبو المواهب وكمال ويارا وشيكو ووو) ، فلكل فئة إيديولوجيتها الخاصة .  
فالتغيير لا يحصل إلا بالتغيير الذاتي ، حتى التغيير الإلهي قائم على معادلة تغيير النفس ( لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .
كما إن تغيير الحكم لا يحدث بالضرورة في الاعتصام والتظاهرات فهناك وسائل أخرى ، كالانتخابات فهي أوسع باب للتغيير وتقرير المصير .
ثم إن هناك جهات تقف وراء التظاهر والاعتصام لا تؤمن بالتغيير، ولا اخطأ بالقول إن المتظاهرات في العراق ، لم تخرج بصورة جماهيرية شعبية ولم تقف وراءها جهات سياسية أو دينية .
فلندع التظاهرات والاعتصام ، ولنتحدث على أنفسنا المريضة ، فهل يقبل أبناء الانبار بان يحكمهم شيعي من الناصرية ؟ أم أهل النجف الاشرف يقودهم صابئي مندائي ؟ أم يترأس إقليم كردستان العراق سامرائي يحفظ لهم حقوقهم ؟
هل الوطن عندنا قبل كل شيء ، فلا يوجد فرق بين ابن ديالى وابن ميسان ؟
نحن نؤمن بالتغيير ، لإيماننا بالديمقراطية ، لا تغيير على الطريقة الانقلابية الانتقامية ، ثم هل عملنا على تهيئة أرضا عراقية خصبة لكل أبناء الوطن ؟
يتظاهر البعض طائفيا لان الحاكم شيعي ، والشيعي هذا أشبه بـ( حليحل ) ذلك الرجل المندائي الذي انتمى لحزب البعث ولم يقدم لطائفته أي شيء ، مما دفع بعض أفراد الصابئة أن يهتفوا أمام احد رجال الدولة يوم ذاك :
(( الطارش كل لريس عندنا حليحل بالحي بعثي )) ، أي ابلغوا الرئيس بأنه في مدينتنا رجلا لا يقدم لنا أي شيء .
وآخرون يخرجون من اجل إسقاط حزب طالما وقف ضدهم مرارا وتكرارا ، ولا يهمهم من العراق والعراقيين أي شيء .
عمار الحكيم سمعته مرة يؤيد المتظاهرين لان الحاكم من الدعوة وان أتباعه في الانتخابات الأخيرة لم يحصلوا إلا قليلا ، فلو كانت الحكومة لهم لما تجرئ أن ينطق ببنت شفة .
كذلك علاوي فأين هو من التظاهرات التي نظمها أتباع مقتدى الصدر يوم مطالبتهم باستئناف صدور جريدتهم المعروفة بـ( الحوزة الناطقة ) ؟ وماذا كان الرد من الرئيس الحكومة يومذاك ؟؟؟
إن هؤلاء السياسيين لهم تجارا بأرواح الأبرياء ، يبذلون الأموال في سبيل أحزابهم ...
فان أراد العراقيون التغيير عليهم أن يتصافحوا فيما بينهم ، ويعملوا على نبذ الخلافات القديمة ، القومية والعرقية والطائفية وو...
وان يفكروا بهذا الوطن الأم والأب والابن والأخت والصديق والحبيب ..
فهناك من يكمن له العداء ، ويعمل على تدميره بغض النظر عن تمزيق أبناءه . 






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق