الكل رأى كيف فعلت المظاهرات في الفترة الأخيرة ، وكيف
غيرت وجوها لطالما حلمت الشعوب بتغييرها ، وهذا ما حدث في شمال أفريقيا ، في تونس
ومصر ، كانت جاثمة على صدور أبناء بلدها ، وكأن البلاد لا يصلح لها احد غيرهم .
في مصر لم تكن المظاهرات وليدة لحظة عاطفية ، وفي زمن
قصير ، بل كانت ممهدة لها منذ زمن بعيد ، منتظرة ذلك اليوم التي تلد فيه ، وتظهر
للحكام ما أبطنت .
ومن أعمدة بناء التغيير السينما المصرية ، حيث تناولت
بصورة واقعية مستقبلية مسألة التغيير ، واضعة بصمتها فيه . فقد حاولت جاهدة أن
تبني شعبا واعيا يحمل على عاتقة الوطن أولا و آخرا .
لم تتبنَ مسالة التغيير فحسب ، بل تعدت إلى ما بعد
التغيير ، وكيف سيواجه الفرد المصري أعاصير سقوط السلطة ، وكيف هي سعت في بناء بيت
مصري يضم المصريين بكل انتماءاتهم .
هذا الحس الوطني التي تحلت به السينما المصرية لهي جديرة
بالفخر ، فهي عنصر فعال في سقوط النظام الذي شاب عليه الوليد ، وكقول ناشطة مصرية
في منظمة ( كفى ) في ميدان التحرير :
(( أنا كـَيت لدنيا ، والنصام موكـَود ولسه هو موكـَود
...))
لنقف على ما أنتجته السينما المصرية ، وكيف بذرت بذور
التغيير في المجتمع المصري .
ومن أعمالها مسرحية الزعيم ، فيلم الدكتاتور ، فيلم حسن
ومرقص ، دكان شحاته ، رامي الاعتصامي ، وغيرها من الأعمال السينمائية والمسرحية ..
فمسرحية الزعيم مسرحية كوميدية ، تدورا أحداثها حول حاكم
دكتاتوري ظالم ، يطلب من حاشية بعد سماعه بوجود مواطن شبهه ، بتعذيبه وقتله ، وتقع
أهوال العذاب على الشبيه والذي يدعى بـ( زينهم ) ، وقبل أن يعدم ( زينهم ) يموت
الزعيم فتستفيد الحاشية من وجود هذا الشبيه لأغراض حزبية فئوية وإبرام اتفاقيات مع
دول أجنبية ، لكن ( زينهم ) يستغل وجوده ويطيح بهم ، وهذا الفعل من صالح الشعب .
أما ( فيلم الدكتاتور) ، وهي من أفلام ( حسن حسني ) الذي
جسد دور الدكتاتور، فالفيلم يشرح نفسه من
عنوانه ، وأحداثه تتحدث عن حاكم منفرد بالسلطة ، مع نجله الماجن ، لكن الشعب لم
يتركه يسرح ويمرح ، يحدث انقلاب ويفر هو ونجله ، ويمسك بزمام الأمور الجيش ويلقي
على شعب بيانه عن إن السلطة باتت بأيديهم الآن بعد سقوط الدكتاتور .
فيلم ( دكان شحاته ) للممثل عمرو سعد ، تدور أحداثه حول
شاب ( شحاته ) من عائلة فقيرة ينال من أبيه هذا الدكان الذي حمل اسمه يوم كان طفلا
، فيضمر له أخويه البغض والحسد ، فيعملان على إيقاعه وزجه في السجن ، وسلبه حقوقه
حتى حبيبته ، فيتحول دكان شحاته إلى سفارة إسرائيلية بعد بيعه من قبل إخوته . الفيلم
يتطرق إلى الصراع الانتخابي بين مبارك وأيمن نور، وكيف تعمل أحزابهم على تبذير
المال من اجل الفوز ، وشعبهم هلك من القحط
و الحاجة .
وأجمل ما يصوره الفيلم
فقدان الإخوة ، وكيف عالجها بالتسامح اللامتناهي من قبل ( شحاته ) لأنهم
وان جاروا معه فهم إخوته ، كما حذر الفيلم من ضياع البلد في حالة الهيجان الشعبي ،
وانتفاضة الجماهير .
أما فيلم ( حسن ومرقص ) ، للممثلين الكبيرين ، عادل إمام
و عمرو الشريف ، فقد تناول الفيلم مسألة هامة في البلد ألا وهي مسألة الطائفية ،
فحسن مسلم ومرقص مسيحي ، انتحل كل واحد منهما ديانة الآخر ، لكي يتعايش مع الآخرين
، وشاءت الصدف أن تجمعهما في عمارة واحدة ، ليقع الفتى المسيحي في حب الفتاة
المسلمة ، ويتقرب حسن من مرقص ، ويصبحان صديقين ، ويجتمعان و يتسامران على إنهما
من دين واحد، لكن يفترقان حين يعلمان إنهما على دين مختلف ، ويبتعد الحبيب عن
حبيبته بسبب الطائفية ، ولم يستمر الخلاف طويلا ، فيشب النار في العمارة التي تؤويهما ، بفعل
الصراع الطائفي ، فيسارع ( مرقص ) لإنقاذ عائلة ( حسن ) وتعود الالفة بينهما .
فقد صور لنا الفيلم البلد على انه عمارة ، يضم كثيرا من
الشقق وان اختلفوا فيها فهي عمارة واحدة ، فالنار التي تحرق شقة ( حسن ) سيطال
ليهبها شقة ( مرقص ) .
ثم ما الإخلاف الذي ينتجه تعدد الأديان ، فنرى إن ( مرقص
) عاش لحظات جميلة في تصور ( حسن ) على دينه ، وكذلك عاشها ( حسن ) هو الآخر.
فحديثنا هو عن الفيلم ( رامي الاعتصام ) ، وهو فيلم
كوميدي للمثل احمد عيد ، تدور أحداثه حول شاب ثري يعرف بـ( رامي) ، يطمح في أن ينال إعجاب ( يارا ) الفتاة التي
تسعى وراء الشهرة ، ولهذا ترافق المطرب ( هيثم ) ، الذي يعتبر غريم رامي ، مما دفع
بالأخير أن يحمل كيتارا لكي يعبر لها انه
مطرب شهير.
رامي مهمل لعمله مع أبيه رجل الأعمال الشهير ، يقضي وقته
مع أصدقائه يتعاطى الحشيش ، لكن في الوقت نفسه يعمل على إنشاء أكروبات على الفيس
بوك ، كل واحد منه يختار اسما هو ( عايزه ) ، أما ( رامي ) فراح يلحن بكيتاره ،
أثناء عرض مباراة مصر لكرة القدم ، لكن لم يجيد اللحن لأنه لم يكن أبدا ملحن ، فاختار اسم ( نعم لتغيير النشيد الوطني ) ، وإذا به يسمع في اليوم الثاني مقدم برنامج
في التلفاز ، يذكر اسمه ومشروعه في الفيس بوك وكيف نال إعجاب الأعضاء في الفيس بوك
،اخذ فرصته الوحيدة وحل ضيفا للبرنامج لتشاهده ( يارا ) فهولا يحمل عن النشيد
الوطني أي فكرة ، وطالب بالاعتصام إن لم يحققوا مطالبه ، والجدير بالذكر إن هذه
اللفظة أخذها من ضيف البرنامج الذي سبقه ، في اليوم الثاني اعتصم الشباب أمام مقر
رئاسة الوزراء ، ورامي بات ليلته مع صديقه بعد إن اخذ كمية كافية من الحشيش.
استيقظ على اتصال احد أصدقائه مخبره بالاعتصام ، ذهب وهو
غير مقتنع بما جرى راضخا للعبة الذي هو
لاعبها ، راح يهتف وينفق من ماله لكي لا يذهب المعتصمون .
ثم توسع الاعتصام فانضم إليهم ( كاكا ) ، وكاكا شاب
بلطكي لم يحظى ببيت ، يحب فتاة تعرف بـ(فوزيه ) هي الأخرى من عائلة فقيرة ، ولم
يتم زواجهما إلا بوجود (شئه ) أو ( اوطه ) ، أصر كاكا أن يتزوج فوزية وقد شهر مرارا
وتكرارا ( المطوا ) الخاص به ، ولهذا وافق والد فوزيه من زواجهما فحدد كاكا يوم
الدخله ، لكنه لم يتهن بيومه هذا ، فقد جرف الجرافات منزلهم ولم يجدوا غير الشارع
يفرشوه لهم .
**************
كاكا وأتباعه حصلوا على مأربهم في الاعتصام حيث سرقة الأجهزة
النقالة ، وكذلك بيع السندويج والكاز وغيرها من افعال عامة الناس .
ثم انضم للاعتصام الجماعات الإسلامية وهي لم تأتي لتغيير
النشيد الوطني بل جاءت لأجل قضية هي مؤمنة بها .
والمضحك في الفيلم إن القيادة العليا حين التقت بكل من
كاكا والجماعات الإسلامية ، وطلبوا منهم أن يوضحوا مطالبهم فقد أجابوهم بنفس
الجواب الذي أجابه ( رامي ) !!
وأحداث الفيلم كثيرة... انتهى الاعتصام بالتصادم بين
المتظاهرين راح ضحيتها جندي ( غلبان ) !!
لكن في النهاية تعلم المعتصمون من هذا درسا كبيرا ، فلا
يحدث التغيير إلا بتغيير أنفسهم أولا ...
ومن الملاحظ في تاريخ الإنتاج لكل من مسرحية الزعيم التي
انتجت عام 1998 ، حسن ومرقص عام 2008 وهو نفسه العام الذي أنتج فيه فيلم رامي
الاعتصامي ،والدكتاتور 2010 .
فالشعب المصري يحمل فكرة التغيير منذ زمن بعيد ، خلافا
للعراق
ففي العراق دعاة التغيير لم يمهدوا للتغيير ، وكل ما في الأمر
أنهم تأثروا عاطفيا بأحداث مصر ، فنشروا على صفحات الانترنت شعارات التغيير !! واختاروا
يوما للتظاهر ومكانا يجتمعون فيه ، مقلدين فيها مصر.
في ليلة واحدة يريد العراقيون التغيير ، أي تغيير هذا ؟
فنحن لم نغيير أنفسنا بعد ، فهل سعينا قليلا في نشر ثقافة التغيير وما بعد
التغيير الذي عمل به المصريون ؟
المصريون سعوا إلى التغيير أكثر من عشرة سنين ، لهذا
نضجت أفكارهم على هذا الفعل ، وأحسنوا في أداءه .
في بلادنا لم يحدث ذلك ، نزل العراقيون مطالبين
بالتغيير، وهذا حق مشروع ، لكن خلافا للإخوة المصريين ، فهناك فرق بين المطلبين ،
مصر تنادي بصوت واحد (( الشعب يريد إسقاط النظام )) ، النظام وعدهم بإصلاحات كثيرة
، لكن الجماهير أبت إلا سقوطه .
في ساحة التحرير ، وتحت نصب الحرية ، أصوات العراقيين
متفاوتة ، أصوات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين ، وأخرى تطالب بزيادة رواتب
المتقاعدين ، وهناك من يهتف ضد المالكي ، والبعض يطالب بحرية التعبير ووو...
فهذه المرأة التي تحمل صورة ابنها وهي تحت نصب الحرية ،
جاءت لكي تطالب بسراحه ، ولو كان ابنها يعيش جنبها لما خرجت ، والذي يطالب بزيادة
راتبه التقاعدي هذا مطلب فئوي لا شعبي ، ولا يختلف عنه أصحاب حرية التعبير !!
الشباب في ساحة التحرير هم أشبه بالشباب الذين ساندوا (
رامي ) في اعتصامه ، كذلك الرجال والنساء .
البعض منهم أخذته العاطفة والبعض الآخر دفعته الشهرة ، وآخرون
يقلدون ما حدث في مصر ، وهناك ضحية جهات مغرضة !
( كاكا والشيخ أبو المواهب وكمال ويارا وشيكو ووو) ، فلكل
فئة إيديولوجيتها الخاصة .
فالتغيير لا يحصل إلا بالتغيير الذاتي ، حتى التغيير
الإلهي قائم على معادلة تغيير النفس ( لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
) .
كما إن تغيير الحكم لا يحدث بالضرورة في الاعتصام
والتظاهرات فهناك وسائل أخرى ، كالانتخابات فهي أوسع باب للتغيير وتقرير المصير .
ثم إن هناك جهات تقف وراء التظاهر والاعتصام لا تؤمن
بالتغيير، ولا اخطأ بالقول إن المتظاهرات في العراق ، لم تخرج بصورة جماهيرية شعبية
ولم تقف وراءها جهات سياسية أو دينية .
فلندع التظاهرات والاعتصام ، ولنتحدث على أنفسنا المريضة
، فهل يقبل أبناء الانبار بان يحكمهم شيعي من الناصرية ؟ أم أهل النجف الاشرف
يقودهم صابئي مندائي ؟ أم يترأس إقليم كردستان العراق سامرائي يحفظ لهم حقوقهم ؟
هل الوطن عندنا قبل كل شيء ، فلا يوجد فرق بين ابن ديالى
وابن ميسان ؟
نحن نؤمن بالتغيير ، لإيماننا بالديمقراطية ، لا تغيير
على الطريقة الانقلابية الانتقامية ، ثم هل عملنا على تهيئة أرضا عراقية خصبة لكل
أبناء الوطن ؟
يتظاهر البعض طائفيا لان الحاكم شيعي ، والشيعي هذا أشبه
بـ( حليحل ) ذلك الرجل المندائي الذي انتمى لحزب البعث ولم يقدم لطائفته أي شيء ،
مما دفع بعض أفراد الصابئة أن يهتفوا أمام احد رجال الدولة يوم ذاك :
(( الطارش كل لريس عندنا حليحل بالحي بعثي )) ، أي
ابلغوا الرئيس بأنه في مدينتنا رجلا لا يقدم لنا أي شيء .
وآخرون يخرجون من اجل إسقاط حزب طالما وقف ضدهم مرارا
وتكرارا ، ولا يهمهم من العراق والعراقيين أي شيء .
عمار الحكيم سمعته مرة يؤيد المتظاهرين لان الحاكم من الدعوة
وان أتباعه في الانتخابات الأخيرة لم يحصلوا إلا قليلا ، فلو كانت الحكومة لهم لما
تجرئ أن ينطق ببنت شفة .
كذلك علاوي فأين هو من التظاهرات التي نظمها أتباع مقتدى
الصدر يوم مطالبتهم باستئناف صدور جريدتهم المعروفة بـ( الحوزة الناطقة ) ؟ وماذا
كان الرد من الرئيس الحكومة يومذاك ؟؟؟
إن هؤلاء السياسيين لهم تجارا بأرواح الأبرياء ، يبذلون
الأموال في سبيل أحزابهم ...
فان أراد العراقيون التغيير عليهم أن يتصافحوا فيما
بينهم ، ويعملوا على نبذ الخلافات القديمة ، القومية والعرقية والطائفية وو...
وان يفكروا بهذا الوطن الأم والأب والابن والأخت والصديق
والحبيب ..
فهناك من يكمن له العداء ، ويعمل على تدميره بغض النظر عن
تمزيق أبناءه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق